تعقيبا على زيارة الرئيس بزشكيان إلى العراق
الحديث عن الأهمية المتبادلة بين العراق وإيران من الترف، ولن يكون غير التكرار لما قيل، من النواحي كلها، تكفي الإشارة الى الحدود الطويلة والدمج شبه الكامل بين القوميات والمذاهب والتاريخ الأقرب الى الإشتراك في كتابة أحداثه حتى في وقت الحروب.
إذن من المفيد أن يكون الكلام عمّا يمكن تسجيله عن هذه الزيارة، من المميزات التي جاء الرئيس الزائر بها مع نفسه ونَفَسَهِ الإصلاحية.
إنها زيارة دولة بإمتياز، هذا النهج الذي تعامل به بزشكيان مع العراق وتوقيع الاتفاقيات ببروتوكول رسمي كامل، قد يخرج العلاقة بين البلدين من نوع الروابط الجانبية والحزبية، أو الاعتماد على الأشخاص النافذين داخل الحكومة لتوجيه عمل مؤسسات الدولة، يغلق هذا النهج النوافذ غير الشرعية ويأخذ بها الى علاقة ندية كاملة بين دولتين بسيادة كاملة تفهمان حقوق الجار والأعراف الدبلوماسية، هذه وإن كانت لإيران فائدة كبرى لكن للعراق أكثر، لتصويرها أمام العالم لا سيما العربي المتآخمة على قدرة العراق في التعامل الندي وممارسة السيادة. البعد الشعبي الذي كان واضحاً في الزيارة، أي الحضور في كامل الجسد السياسي والشعبي والديني في لقاءاته مع الطبقات والشرائح المتنوعة، وهو تعامل يعتمد على الجانب العاطفي أكثر منه على الجانب المصلحي، وحتى لو كان المقياس هو المصلحة لكن التأثير يكون في الروح والعاطفة، ومنهما ينعكس على المصلحة السياسية، من يقرأ كتابات ومذكرات المسؤولين الإيرانيين من التيار المعروف بالاصلاحي، يلحظ أنهم كانوا يريدون تأسيس هذا النوع من العلاقات مع دول الجوار من أيام الرئيس محمد خاتمي، التعامل الودي العقلاني القائم على الاحترام أولاً ثم التقدير المصلحي ثانياً، هذه الروحية تشكل بداية لافتة لمنافسة السياسة التركية المتميزة بالعقلانية والمصلحية في المنطقة. إن البساطة التي تميز بها الرئيس مسعود بزشكيان والنغمة التي تحدث بها الى الشرائح العراقية، رسم لنفسه خطاً لنسج العلاقات الشخصية التي تنعكس بدورها على العلاقة بين العراق وايران، تعامل مع الشرائح السياسية والمجتمعية بشكل عفوي من دون تشنج، أو استصحاب التاريخ أو حجم الدولة وتاثيرها في المنطقة، هو كان قريباً في سلوكياته الى الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني، تفعيل البعد الإنساني قبل البعد السياسي الجاف، ربما هذه تعود الى البيئة التي تربى فيها، وقد تشكل هذه النقطة تحدياً للرئيس التركي رجب طيب اردودغان، أردوغان يتميز بهذه الصفة، حتى انه كان يصحب زوجته في زياراته الى دول الجوار لإنشاء علاقات عائلية ثم توظيفها في العلاقات الرسمية بما ينعكس على مصلحة الدولة. زيارته الى إقليم كردستان، فهو الرئيس الإيراني الأول في التاريخ القديم والحديث يزور إقليم كردستان، وهو الرئيس الأول في التاريخ القديم والحديث يتحدث لغة كردية طليقة من كل ما يعيبها، وقد بنى بحديثه باللغة الكردية جسراً مع عموم الشعب الكردي، ليس مع السياسيين كمجاملة دبلوماسية، وإنما مع الجماهير الكردية في الدول لأربع، في هذه النقطة تفوق بزشكيان على الرئيس التركي الذي يتردد على أربيل في عدة مجالات، منها: حديثه للإعلام باللغة الكردية وإرسال التحيات مرة ومرة الى الشعب الكردي، من نقاط تفوق بزشكيان، عندما يتحدث هو بالكردية ففي تركيا تكافح من أجل الاعتراف والحديث بها، ووزراء كرد في والدولة التركية يتحدثون للإعلام الكردي خارج تركيا باللغة التركية، إن حديث الرئيس الإيراني مع نظيره العراقي لطيف رشيد في اجتماع مغلق باللغة الكردية داخل القصر الرئاسي في بغداد يفتح مغاليق القلوب، ويعطي الأريحية للجانبين للتحادث بعيداً عن الرسميات، بمعنى ان الحالة النفسية تتسع لتناول الأمر الحساسة وغير الحساسة من دون حذر، كصديقين حميمين. وبالتالي رفع الغطاء كل أنواع الغطاء الخفيفة والسميكة عن المسائل المتداولة، وإظهار خبايا الأمور لتكون أشد وضوحاً.
أضف تعليقا
تعليقات (0)