مراسم “عجوز شالیار” العرفانية

 مراسم “عجوز شالیار” العرفانية

لم يعلم عجوز شاليار يوما أنه سيتحول إلى أكثر من مجرد حكاية يتداولها أهالي كردستان، إذ أضحى لديهم مراسم عرس معروفة باسمه، تدف فيها الطبول و تقرأ الأشعار العرفانية، كما يلح الناس فيها بالدعاء لما يعتقدونه من كرامات العجوز. و رغم أن الاحتفال ليس عرسا بالمعنى الدقيق، إلا أنه يجذب مئات السواح الإيرانيين و الأجانب سنويا إلى قلب كردستان إيران.

تعود مراسم الاحتفال إلى ألف سنة خلت، عندما عاش عجوز شاليار بقرية أورامان الكردية و الداخلة تحت حكم والي بخارا آنذاك، و كان الأخير يملك ابنة صماء عجز الأطباء عن مداواتها، فوعد بتزويجها لمن يستطيع شفائها، و ليكون العريس المحظوظ عجوز شاليار الذي تمكن من ذلك بكراماته بحسب الرواية الشعبية.

لكن من يكون؟

حسب التاريخ، يعود نسب عجوز شاليار إلى الإمام جعفر الصادق (ع)، و يدعى بالسيد “مصطفى عريضي”، حيث درب نفسه على الرياضات العرفانية إلى أن وصل إلى مرتبة كبيرة في العلوم النفسانية، و هو ما يحاول الأهالي تحقيقه خلال مراسمهم التي أطلق عليها اسم بطل الحكاية، إذ يبدأ سكان “أورامان” الحفل منذ غروب الحادي و العشرين من يناير، حيث يوزع المسؤول عنه بمساعدة الأطفال جوز أشجار ضريح عجوز شاليار على القرويين، ثم يشرع القائمون على العرس بطبخ “الآش” و تهيئة الأضاحي طوال أسبوع كامل يوزر فيه الأشقاء شقيقاتهم و أبناء الأخوة عماتهم لإهدائهن الجوز و الحلويات فيما يعرف بـ”كلاو روچنه”.

أما الأسبوع الثاني فيخصص يوم الثلاثاء منه للأطفال الذين يحملون أكياسهم و يطوفون البيوت لتسلم الحلوى و المكسرات إلى مطلع فجر اليوم التالي الذي يشهد صباحه ذبح الحيوانات أمام البيت المنسوب لعجوز شاليار، و بعدها تقسيم اللحم بين السكان المحليين، و يحتفظ بجزء منه لطبخ آش بطعم حامض يدعى “ولوشين” يأكله الناس بعد صلاة العصر للتبرك.

و كالمتصوفين، يشكل الرجال حلقات رقص و دف طبول يذكر فيها اسم الله من عصر الأربعاء حتى غروبه، و يتكرر الأمر يوم الخميس و بذات التوقيت، لكن ما إن يحل الغروب، حتى يقصد القرويون بيت عجوز شاليار و يبدؤوا بالابتهال و سرد الأشعار فيه، كما يلقون الخطب العرفانية و الدينية و يتناقشون في أمور المذهب، و يكون اختتام اجتماعهم بالدعاء.

يستمر عرس عجوز شاليار حتى يوم الجمعة من آخر أسبوع، و يطلق عليه اسم “تربة” إذ فيه ينظف الناس ضريح السيد “العريضي” من الغبار و يزيلون عنه الثلج، أما النساء فينشغلن بخبز “گته مه جكه”، وهو خبز خاص بالقرية تخلط فيه الأعشاب العطرية الجبلية و الجوز بالطحين و يؤكل مع الزبادي و يفرق على المجتمعين في مزار عجوز شاليار مصحوبا بالذكر و المناجاة اللذان يطولان حتى صلاة الجمعة التي يؤديها الأهالي في مسجد القرية، و هي خاتمة المراسم.

الجدير بالذكر أن عرس عجوز شاليار كان قديما مختصا بالرجال و محظورا على النساء، أما اليوم فيمكن لهن حضور الاحتفال و مشاركة الرجال بالدعوات و الصلوات.

بغض النظر عن مدى صحة قصة عجوز شاليار، يتمسك سكان أورامات بكردستان بمراسمه العرفانية و يعتزون بها، فهي جزء من ثقافة شعبية و عادات و تقاليد أبت مفارقة هوية أكراد إيران.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *