عادات رمضانية.. المسحر

 عادات رمضانية.. المسحر

صرت كبير يا فلان! تحمل مسؤولية أفعالك! حل مشاكلك بنفسك يا علان!

عندما كنا صغارا، تمنينا جميعا أن نكبر بسرعة لنستقل عن أهالينا، و حقق لنا الزمن ما نريد لتنعكس أمنيتنا إلى شيء لا يمكن للعمر أن يحققه أبدا، و هو أن نعود صغارا من جديد، و يكمن السبب في ذكريات الماضي الخالية من الهموم.

أنا شخصيا كنت أجد متعة كبيرة في محاولة إثبات أني كبيرة بما فيه الكفاية لأصوم و أبقى مستيقظة حتى سحر شهر رمضان، و كان والداي  يصران علي بالنوم واعدين إياي بإيقاظي عند السحور، لتنطبق عيناي بعد حين من تلقاء نفسيهما، ثم توقظني والدتي لتناول طعام السحور على أصوات أدعية السحر و صدى المسحر الذي يبقى في الحارة حتى يرى جميع البيوت منارة الأضواء.

عندما كبرت اختفى المسحر من حارتنا و مدينتنا، و صار من التراث الذي لا تزال بعض الدول تحافظ عليه، منها مصر، المغرب، لبنان، سوريا و السعودية، لكن صدى “يا نايم وحد الدايم” ليس خاصا بالدول العربية فقط، بل تشترك فيها إيران أيضا.

يرافق المسحراتي طبل كبير في قرى و مدن إيران، و يقوم بالدور شباب القرى فرادى أو مثنى أو رباع، حيث ينهضون قبل موعد السحور بساعة من الزمن، و يبدؤون بقرع الطبول من باحة مسجد المدينة حتى الأزقة الصغيرة، في مسيرة لا تنتهي حتى التأكد من استيقاظ جميع السكان.

و تختلف مراسم المسحر أو “طبل زني” من محافظة إلى أخرى، ففي “مركزي” مثلا يقوم بدور المسحراتي أكبر المؤذنين عمرا مع شاب صغير يتبعه أينما ذهب، فيما يهتف المؤذن العجوز:”انهضوا حل السحر”.

أما في أصفهان، فيتولى المهمة أربعة رجال يضربون على الطبول لإيقاظ النيام من الأهالي، و يعتبر سكان حارة “محمدية” هذه العادة مفيدة اجتماعيا، حيث يؤمنون بأنه من الأفضل الاستيقاظ في صخب و التلذذ برمضان بين العائلة و الجيران بدلا من الاعتماد على منبهات الهواتف التي أدخلت الناس في عزلة.

و في مدن أخرى، يولي المسحراتي اهتماما خاصا لربات البيوت، حيث يقرع الطبل ثلاث ساعات قبل السحور خصيصا لهن لتجهيز الطعام لأسرهن، و يعاودون الكرة قبل السحر بساعة و نصف لتنبيه الجميع من النوم.

و فيما تعتمد معظم المدن على المسحرين المتجولين، تختلف مدينة مشهد في ذلك، إذ تقع مسؤولية إيقاظ النائمين على سدنة الحرم الرضوي الذين يشغلون إحدى المآذن لقرع الطبول و النفخ في المزامير قبيل ساعة من موعد السحور.

و بالرغم من تطور التكنولوجيا و حلولها محل المسحر، إلا أن لطبله و أشعاره مكانة في قلوب محبي التراث، حيث يجدونه رمزا للألفة الاجتماعية و تربية للأطفال على حب شهر رمضان.

 

تقرير: فاطمة آل يعقوب

مقالات ذات صلة

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *