الرفض يتجدد.. إيران و التواجد الأمريكي في الخليج

هل تخيلت نفسك يوما محاطا بأشخاص لا تحبهم؟ خذ نفسا عميقا و أغمض عينيك و جسمهم في خيالك، هل فعلت؟ أضف الآن إليهم هذه الصفة: إنهم يكرهونهك بدورهم لدرجة قطعهم 7239 ميلا لمراقبتك، زد على النعت السابق تهديدهم إياك كل يوم تقريبا، ليس ذلك فحسب، بل أنت مطالب بتخييط فمك و التظاهر بأنهم لن يفعلوا شيئا، هل أحسست بالاختناق و الضيق؟
تشهد آسيا الغربية تواجدا عسكريا أمريكيا منذ القرن الماضي، و دون التحدث عن العراق و أفغانستان، تخص الولايات المتحدة الخليج الفارسي بعنايتها المتمثلة في إنشاء قواعد عسكرية في الدول الخليجية، بل و تعدت ذلك إلى إنشاء مدن عسكرية كاملة بلغت الخمس في السعودية وحدها، فيما تحولت قطر إلى حاوية لأكبر قاعدة أمريكية في الخارج، و تمركز16 ألف من الجنود الأمريكان في الكويت، أما البحرين فهاي هي تحمل على أراضيها الأسطول البحري الخامس، و تنتشر القوات الأمريكية على الأراضي الإماراتية بعد بناء قاعدة الظفرة فيها.
ليس هذا فحسب، إذ يمتد الاحتلال الصهويني من أراضي فلسطين إلى الخليج، و الذي أعلنت دولتان فيه تعاونهما التام مع حكومة الاحتلال و منحها أراضيهما للتموضع العسكري، فالإمارات مثلا تقيم قاعدة صهيونية في منطقة عرادة الحدودية مع السعودية، فيما ضمت البحرين مقرا للمحتل العبري في الأسطول الخامس الأمريكي مع مناقشة اقتراح منحه قاعدة على أراضيها.
هذا الكم من العسكر الأجنبي البعيد عن أراضيه- مع استثناء الكيان فهو لا يملك واحدة- لم يغب عن المراقبة الإيرانية التي حذرت هذه القوات مرارا من الدخول إلى مياه الخليج الفارسي، و شمل إطلاقها التهديدات القول و الفعل، إذ استعرضت اليوم سربين من سفنها في مياه المحيط الأطلسي، في مناورات وصفها الأدميرال البحري “بهرام إيراني” بالناجحة.
رسالة المناورات لم تقتصر على طمأنة الشعب الإيراني إلى قوة بلاده، بل تعدتها إلى توعد الحضور الأجنبي المحيط بإيران، و التي لم تعد ترى فيه حتى ضيفا ثقيلا، خاصة بعد معاينتها دمار أفغانستان و العراق، و استخدام القواعد العسكرية في “بعض الدول” لبناء الجيش الداعشي، ليصرح “إيراني” اليوم ألا مبرر و داع لإشغال البحريات الأجنبية هذه المساحة من آسيا.
التوعدات الإيرانية لم تعد تشمل الأقوال أو حتى الاستعراض وحده، إذ أثبتت للعالم ما يمكنها فعله عندما يخطو أحد على طرفها، و تشهد صواريخها في عين الأسد و أربيل على كلامها، دون ذكر مواجهتها البواخر الأمريكية في مياه الخليج الفارسي و بحر عمان مرارا، آخرها إحباط الحرس الثوري لمحاولة القرصنة الأمريكية لسفينتها النفطية العام الماضي.

من جهة أخرى فالامبراطورية الأمريكية بدأت الانسحاب من الشرق الأوسط، فالطائرات الأمريكية التي غادرت أفغانستان كانت أولى علامات التقهقر من مستنقع آسيا الغربية، و الذي كلف أمريكا 5.6 مليار دولار حتى عام 2018 فقط، ناهيك عن انتهاء جميع حروبها في المنطقة بفشل ذريع، فلا هي استطاعت السيطرة كاملا على المصادر الطبيعية، و لا قدرت على حماية طفلها المدلل في فلسطين المحتلة، و يبدو أنها لم تتمكن من الحفاظ على حلفائها من حكام الخليج الذين شرعوا في التوجه نحو تنين آسيا.
و يتحول التواجد الأمريكي في الخليج و الشرق الأوسط برمته إلى مادة تتخم الهزل، و كان أول الساخرين هم الأمريكيون أنفسهم في برامجهم الإعلامية، “تريفور نوح” مثلا يعتقد بأن الغضب الإيراني من تطويق امريكا لحدوده مبرر جدا، و الشعب نفسه يصرخ بعودة أبنائه الذين هلك أكثر من أربعة آلاف منهم في حروب لا يؤمنون بها، فهل تتحد هذه العوامل مع انهيار الاقتصاد الأمريكي و انخفاض أرباح شركاتها إلى أكثر من 40% مع مقاومة أبناء المنطقة و التصدي الإسلامي إلى سحر يسرع خروج الحكومة الأمريكية من دول المنطقة؟ إجابة السؤال متروكة لعد الخمسة و العشرين عاما التنازلي.
مقالة: فاطمة آل يعقوب